" دكتور (مصطفى) ..."...
التفت الدكتور (مصطفى أيمن)، طبيب مستشفى (وادى النيل)، إلى مصدر النداء، وارتفع حاجبيه فى دهشة، عندما فوجئ بأن مصدره مدير المخابرات شخصياً، فهب يقول فى احترام:
- سيادة الوزير.
صافحه الوزير فى هدوء، وهو ينظر إلى عينيه مباشرة، على نحو جعله يتساءل، فى مزيج من القلق والحذر:
- أهى زيارة عادية لتفقًَّد أحوال المستشفى يا سيادة الوزير، أم ...
لم يكمل تساؤله، فابتسم الوزير، وهو يقول فى هدوء:
- أم ...
ثم جلس على مقعد قريب، وأشار للدكتور (مصطفى) بالجلوس، قبل أن يقول، دون أن يرفع عينيه المتفرستين عن وجهه:
- كنت أطالع أحد الملفات، عندما توًَّقفت حائراً، أمام نقطة تتعلًَّق بك يا دكتور (مصطفى).
عاد حاجبا الدكتور مصطفى يرتفعان، وهو يقول فى دهشة قلقة:
- بى أنا ؟!
أجابه المدير فى هدوء:
- على نحو غير مباشر.
تضاعفت قلق وتوتر الدكتور مصطفى، وهو يغمغم:
- خيراً ؟!
اعتدل مدير المخابرات، وهو يقول فى اهتمام:
- القضية التى أتحدًَّث عنها، كانت محيًَّرة للغاية، ولكننا نجحنا فى كشف الكثير من غموضها، وعرفنا كيف سارت الأحداث فيها، ولكن بقيت أمامنا نقطة واحدة، لم أجد لها تفسيراً مقنعاً.
لم ينبس الدكتور (مصطفى) ببنت شفة، وهو يتطلًَّع بكل القلق إلى مدير المخابرات، الذى مال نحوه، متسائلاً:
- لماذا أشرت على السيًَّد (قدرى) بالسفر إلى (أسوان)، والإقامة فى فندق جزيرة (إيزيس) بالتحديد؟!
حدًَّق الدكتور (مصطفى) فى وجهه بكل دهشته، قبل أن يغمغم:
- كنت أنفذ أوامرك يا سيادة الوزير.
أخفى مدير المخابرات دهشته البالغة، وهو يقول:
- أوامرى أنا؟!
بدا الدكتور (مصطفى) اكثر توتراً، وهو يجيب فى انفعال:
- بالتأكيد يا سيادة الوزير... لقد تلقيت اتصالاً هاتفياً من رقم مجهول، ولقد اعتدت ان تأتى الاتصالات المشابهة من رجال مخابرات، وعندما أجبت أمكننى تمييز صوتك، الذى أعرفه جيداً، وانت تطلب منى أن أشير على السيًَّد (قدرى) بالاستشفاء فى فندق جزيرة (إيزيس) فى (اسوان)؛ لأنه يمكنكم تامين وجوده هناك.
تطلع إليه مدير المخابرات فى صمت، حاول أن يخفى به ذلك الانفعال الجارف، الذى تموج به أعماقه، قبل ان يغمغم:
- إذن فقد كانت هذه أوامرى.
أجابه الدكتور (مصطفى)، بنفس الانفعال:
- حتماً يا سيادة الوزير، ولقد أطعتها دون مناقشة كالمعتاد، وفقاً للقواعد المتبعة هنا.
صمت مدير المخابرات بضع لحظات، وهو يتطلع إليه، ثم لم يلبث أن غمغم:
- هذا يضع القطعة الناقصة من البازل*
ظلًَّ الدكتور (مصطفى) يتطلع إليه فى تساؤل، حتى نهض المدير، ومنحه ابتسامة هادئة، وهو يقول:
- معذرة يا دكتور (مصطفى) ... كنت أكمل الصورة فحسب.
وغادر المكان، تاركاً الدكتور (مصطفى) خلفه، وعيناه مازالتا تحملان الحيرة ...
كل الحيرة...
* * *
" حمداً لله على سلامتك يا سيًَّد (قدرى)..."...
نطقها رجل المخابرات المصرى (حلمى)، مضيفاً إليها ابتسامة كبيرة، فتطلًَّع إليه (قدرى) بنظرة خاوية، قبل أن يغمغم:
- ماذا عن السيًَّد (نادر)؟!
لوًَّح (حلمى) بيده، قائلاً:
- إنه بخير ... كانت إصابة رأسه محدودة، ولكنهم يضعونه تحت الملاحظة؛ للتأكد من عدم إصابته بارتجاج فى المخ.
نهض (قدرى)، قائلاً فى خفوت:
- حمداً لله على سلامته.
استعاد (حلمى) جديته، وهو يقول:
- لقد احترقت سيارته بالكامل، ولكنكما كنتما خارجها، وعلى مسافة جيدة منها، بحيث لا تمسكما النيران .... ونحن نتساءل فى الواقع، كيف نجحتما فى الخروج من السيارة، على الرغم من أن الأطباء أجزموا بأن (نادر) قد فقد وعيه، مع قوة الصدمة؟!
حاول (قدرى) استعادة تلك اللحظات، وهو يغمغم:
- لقد أخرجنا ...
بتر عبارته دفعة واحدة، وبدت عليه الحيرة لحظة، قبل ان يكملها فى تردًَّد:
- شخص ما، لم أتبين ملامحه جيداً.
مال عليه (حلمى)، يسأله فى اهتمام:
- أهو قائد تلك السيارة (الهامر)، التى تحدًَّث عنها شهود الواقعة؟!
حدًَّق (قدرى) فى وجهه لحظات، قبل ان يغمغم:
- لست ادرى.
اعتدل (حلمى) يتطلًَّع إليه بضع لحظات فى صمت، ثم قال فى حزم:
- ما رواه شهود الواقعة، يشير إلى ان تلك السيارة (الهامر) قد انقذتكما من موت محقًَّق، عندما ارتطمت بالسيارة التى حاولت قتلكما، والتى سالت منها كمية كبيرة من الوقود، قبل أن تنفجر، وتشتعل فيها النيران.
بدت حيرة مرتبكة، على وجه (قدرى)، وهو يغمغم:
- أذكر شيئاً كهذا.
أشار (حلمى) بيده، مكملاً:
- وبعدها ارتطمت تلك السيارة بأخرى، ودارت بين قائدها وراكبى السيارة الاخرى معركة قصيرة، حسم بها قائد (الهامر) الامر، قبل أن يهبط إلى سيارتكما، قبيل أن تندلع فيها النيران، والمنطق يقول: إنه من اخرجكما من السيارة قبل اشتعالها.
حاول (قدرى) عبثاً استعادة تلك الذكرى، ثم لم يلبث أن هزًَّ رأسه، وقال فى إرهاق:
- مادمت تقول هذا.
التقط (حلمى) نفساً عميقاً، وهو مازال يتطلًَّع إليه، قبل أن يعاود الحديث، قائلاً:
- المشكلة أن السيارة وقائدها قد اختفيا تماماً بعدها، ولم تجد الشرطة الفرنسية لأرقامها أى وجود فى سجلاتها الرسمية، ولا حتى فى سجلات الاتحاد الاوروبى كله.
شعر (قدرى) بصداع وحيرة شديدين، فأمسك رأسه، مغمغماً:
- لست أذكر شيئاً... لا أستطيع أن أذكر شيئاً.
شعر (حلمى) بالإشفاق، وهو يقول:
- لا عليك يا سيد (قدرى) ... لا ترهق نفسك بمحاولة التذكًَّر؛ فيبدو أنك قد فقدت وعيك مع الحادث، وليس من الطبيعى أن تذكر أية تفاصيل.
ثم ربًَّت على كتفه المكتظة، وهو يضيف بابتسامة هادئة:
- لقد اعددنا لك وجبة دسمة شهية؛ حتى تستعيد نشاطك، قبل أن تذهب إلى فندقك.
لوًَّح (قدرى) بيده، قائلاً فى أسى:
- ليست لدى أية شهية للطعام.
ارتفع حاجبا (حلمى) فى دهشة، قبل أن يبتسم ابتسامة مشفقة، مغمغماً:
- هذا يتعارض مع شهرتك الاسطورية يا سيد (قدرى).
أطلق (قدرى) زفرة حارة، وهو يغمغم:
- ما مررت به يتعارض مع كل شئ.
ربًَّت (حلمى) على كتفه مرة أخرى، فى إشفاق أكثر، ثم قال:
- ستقضى ليلة واحدة فى الفندق، ثم سأصطحبك فى طائرة العاشرة من صباح الغد إلى (القاهرة).
هزًَّ (قدرى) رأسه، متمتماً فى خفوت:
- لا بأس.
تمتم بها، وهو يقاوم فى شدة دمعة ساخنة، قاتلت للفرار من عينه...
لقد فعل كل ما فعل، وواجه كل ما واجه، دون ان يبلغ ما أراد...
ودون أن يحسم مصير (أدهم) و(منى)...
وبكل الأسف...
* * *
" التبديل تم مرتين..."..
قالها مدير المخابرات العامة المصرية لنائبه فى حسم، فسأله هذا الاخير فى اهتمام شديد:
- كيف يا سيادة الوزير؟!
أشار المدير بيده، قائلاً:
- فى البداية كان (ن-1) هنا، فى (مصر)، التى حضر إليها بجواز سفر أحد موظفى مؤسسته فى (نيويورك)... ومن هنا بدأ خطته العبقرية، فانتحل صوتى؛ ليدفع (قدرى) للسفر إلى (أسوان)، وإلى فندق جزيرة (إيزيس) بالتحديد، والذى التقى فيه بجاره السيًَّد (سالم إبراهيم)، وكان من الطبيعى، على الرغم من حالته، ان يشير (سالم) إلى أمر القرية النوبية، مما دفع (قدرى) للذهاب إليها ... وهناك التقى به (ن-1)، وهو ينتحل شخصية (حامد إبراهيم)، الذى هو نفسه (سالم إبراهيم)، وروى له قصة وهمية، كان واثقاً أن أعدائه سينصتون إليها، بوسيلة أو أخرى، وهو كرجل مخابرات اكثر من محترف، يعلم الكثير عن تقنيات التنصًَّت الحديثة.
غمغم نائبه فى لهفة:
- هذا صحيح.
تابع مدير المخابرات، دون أن يتوًَّقف عند تعليق نائبه:
- وبعدها سافر (ن-1)، بجواز سفر (سالم)، إلى (باريس)، الذى علم ان (قدرى) سيسافر إليها، عقب سماعه تلك القصة الوهمية عن (جوزى) ... وهناك بدأت اللعبة الحقيقية.
غمغم النائب فى اهتمام:
- هل انتحل سيادة العميد شخصية ذلك السائق بالفعل؟!
ابتسم المدير، وهو يقول:
- (ن-1) أكثر ذكاءاً من أن يفعل ... الذى التقى (قدرى)، امام مطار (أورلى)، هو (ريو بتشولى) بالفعل، والذى يدين له بالكثير، كما روى هو بنفسه، ولأن (ن-1) كان يعلم أن أعدائه سيراقبون (قدرى)، فور وصوله إلى (باريس)، فقد دفع (ريو) لإثارة شكوكه، حتى يلجأ (قدرى) إلى التأكد من حقيقة هويته، ويرصد الكل هذا.
سأله النائب، وقد تضاعف اهتمامه:
- متى حدث التبديل إذن؟!
أشار المدير بسبًَّابته وإبهامه، وهو يقول:
- أخبرتك إنه قد حدث مرتين.
ثم تابع فى اهتمام:
- المرة الاولى عندما انفصل (ريو) عن (قدرى)، عند مخيًَّم الغجر ... لقد حل (ن-1) محله، فى تلك اللحظة، وهو ينتحل شخصيته، وكان هو من هاجم الرجلين، اللذين حاولا قتل (قدرى)؛ فمن أهم سمات (ن-1)، انه يدافع دوماً عن أصدقائه، مهما كان الثمن ... المدهش أنه عندما شك (قدرى) فى أمره، فى تلك المرحلة، عرض عليه (ن-1) فى ثقة أن يتأكًَّد من شخصيته مرة أخرى، وكان من الذكاء، بحيث عرض هذا، على نحو جعل (قدرى) يشعر بسخافة موقفه، فلم يقدم على الامر.
التقط النائب نفساً عميقاً؛ فى محاولة لتهدئة انفعالاته، قبل ان يقول:
- إذن فالذى خاض مطاردة السيارات كان سيادة العميد!!..
أجابه المدير فى حزم:
- بالضبط.
ثم تابع فى اهتمام:
والذى طارد (تيا) ورجليها وسط الأشجار، وفقاً لرواية (نادر)، كان (ن-1) أيضاً، اما الذى عاد إلى (نادر) و(قدرى) فقد كان (ريو بتشولى)، فهناك، ووسط الأشجار، تم التبديل الثانى.
بدا النائب مبهوراً، إلى حد دفع المدير للاستطراد، قائلاً:
- أتصوًَّر أن (تيا) ومن معها، أصيبوا بصدمة كبيرة، عندما فوجئوا بالسائق الحقيقى أمامهم، مما ساعد (ن-1) على السيطرة عليهم فى سهولة اكثر، قبل أن يطلب من (ريو) الذهاب، إلى حيث ترك (قدرى) و(نادر).
قال النائب فى حماس:
- لهذا تأكًَّد الإثنان من شخصية (ريو)، ومن أنه ليس سيادة العميد متنكراً.
اشار المدير بسبًَّابته، قائلاً فى حزم:
- بالضبط ... فقد كان (ريو بيتشولى) الحقيقى، والذى ساعده ما تلقاه من تدريبات، على يد المخابرات السوفيتية، على اتقان دوره، وإن أشار (نادر) إلى حيرته، عندما شكره (قدرى) على إنقاذه؛ لأنه لم يكن يعرف بالفعل ما الذى يتحًَّدث عنه (قدرى) ... اما (ن-1)، فقد بقى مع (تيا) ورجليها؛ ليتم مهمته الأصلية، التى خطط لكل هذا، حتى يفوز بها.
حمل صوت النائب نشوته، وهو يغمغم:
- أن تدفع (تيا) ثمن ما فعلته بالمقدًَّم (منى).
ابتسم المدير، وهو يقول:
- ولقد كان له ما أراد ... (تيا) محتجزة الآن، فى أحد السجون الفرنسية، ذات الإجراءات الأمنية القصوى، وستحاكم بتهمة الإرهاب، وبتهمتى قتل، أثبتتهما كل الأدلة.
صمت النائب بضع لحظات مبهوراً، قبل أن يغمغم فى إعجاب واحترام بالغين:
- من عظيم الخسارة أن يعتزل سيادة العميد العمل.
ابتسم المدير، وهو يقول:
- أمثال (ن-1) لا يعتزلون العمل أبداً.
وصمت لحظة، ثم أضاف وابتسامته تتسع:
- يمكنك اعتبارها إجازة نقاهة طويلة، وأجزم لك بأنه سيعود بكل قوته، فور سماعه الكلمة السحرية.
أطلًَّ تساؤل من عينى النائب، فأضاف المدير بمنتهى الحزم:
- أمن (مصر).
وعلى الرغم من خبرته الطويلة، شعر نائب مدير المخابرات المصرية بقشعريرة عجيبة تسرى فى جسده، فور سماعه اسم (مصر)، وشد قامته فى وقفة عسكرية صارمة، وهو يقول بكل قوته:
- كلنا هذا الرجل ياسيادة الوزير.
انتظر مدير المخابرات، حتى انصرف نائبه، ثم اخرج من درج مكتبه تلك الصورة، التى حللتها أجهزة القسم الفنى، للمرأة المسنة، التى اصطحبت (آدم) من مدرسته، فى (بئر سبع)، وتطلًَّع إلى وجه تلك الشابة، الذى بدا أسفل تنكرها، وغمغم فى ارتياح:
- إذن فأنت على قيد الحياة.
هذا لأنها كانت، وبكل وضوح، صورة (منى)...
المقدًَّم (منى توفيق)...
شخصياً...
* * *
لم يستطع (قدرى) كبح تلك الدمعة الساخنة، التى تحررًَّت من عينه، وسالت على وجنته، وهو يعد حقيبته، استعداداً للسفر فى الصباح التالى، والعودة إلى الوطن...
كان يشعر بالإحباط؛ لأنه لم يستطع حسم مصير (أدهم) و(منى)...
تلك الذكرى المشوًَّشة فى أعماقه، قبل فقدانه الوعى، عقب انقلاب سيارة (نادر)، كانت تؤكًَّد له أنه قد سمع صوت صديقه ...
صوت (أدهم) ...
ولكنه لا يستطيع الجزم بهذا....
على الإطلاق...
وها هو ذا مضطر للعودة إلى الوطن، دون أن يحسم الأمر...
ودون أن يطمئن ...
كان غارقاً فى مشاعره، عندما سمع طرقات هادئة على باب حجرته، فأسرع يمسح دموعه، قبل أن يفتح الباب...
ثم تراجع فى دهشة ...
فامامه مباشرة، وقف (ريو) مبتسماً، وهو يحمل لفافة كبيرة، قائلاً:
- بنسوار مسيو (قدرى).
مضت لحظة من الدهشة، قبل ان يغمغم (قدرى):
- (ريو) ... كيف علمت بمكانى؟!... المفترض أن ...
قاطعه (ريو)، وهو يناوله تلك اللفافة الكبيرة، قائلاً:
- مسيو (لو جراند) يرسل لك تحياته.
التقط (قدرى) اللفافة فى تلقائية، وهو يسأله فى لهفة:
- (لو جراند)؟!... هل أخبرته أننى أريد أن ألتقى به؟!
ابتسم (ريو) ابتسامة كبيرة، وهو يقول:
- عندما يحين الوقت المناسب، سيلتقى هو بك مسيو (قدرى).
ثم مال يغمز بعينه، مضيفاً:
- ومدام (لو جراند) أيضاً.
قالها، ثم اندفع ينصرف فى سرعة، قبل أن يلقى عليه (قدرى) سؤالاً آخر.
ولثوان وقف (قدرى) أمام باب حجرته المفتوح، وهو يحمل تلك اللفافة الكبيرة، قبل أن يدفع الباب بقدمه، ثم يضع اللفافة على المائدة ويفتحها، فانبعثت منها رائحة شهية، وسقطت منها بطاقة ملوًَّنة، أسرع يلتقطها، ويلقى نظرة عليها....
وانتفض جسده بكل قوته...
فالبطاقة كانت تحمل كلمات قليلة، بخط يعرفه جيداً...
كلمات تقول:
- اشتقنا إليك كثيراً يا صديقنا العزيز... سنلتقى قريباً بإذن الله ... مع تحيات الزوجين (كازانسخى) ... ملحوظة: (آدم) الصغير يرسل إليك تحياته أيضاً؛ فهو مبهور بما نرويه له عنك ... شهية طيبة.
حدًَّق فى الكلمات، وجسده كله ينتفض انفعالاً، وقلبه يخفق بكل قوته، قبل أن يصرخ بكل سعادة الدنيا:
- إنهما على قيد الحياة ... إنهما سالمين وعلى قيد الحياة.
وبكل جسده الضخم، راح يرقص فى حجرته، وهو يطلق ضحكات عالية، قبل أن يندفع نحو ذلك الطعام الشهى، الذى حوته تلك اللفافة الكبيرة، هاتفاً:
- مازلت تذكرين ذوقى فى الطعام يا عزيزتى الغالية (منى).
ولأوًَّل مرة، منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، راح يلتهم ما أمامه من طعام ...
وبكل شهية الدنيا...
وكل سعادة الدنيا ....
كلها.